قاسم سليماني، الرجل الذي كان يظهر فجأة فوق ركام المدن كالموصل وحلب والقصير، له سجل انتهاكات لحقوق الإنسان ترشحه كأكبر رجل إرهابي في الشرق الأوسط، ولنا في هذا التقرير أن نستعرض أكبر المجازر والانتهاكات التي هندس لها هذا الرجل في سوريا والعراق.
جرائم فيلق القدس وسليماني في سوريا:
-
جرائمه في منطقة القصير .
تكررت في بداية الثورة السورية زيارات قاسم سليماني الدورية إلى دمشق لقيادة معركة جنوده بنفسه، بحسب تقارير استخباراتية أمريكية. وبحسب مسؤولين أمريكيين، فقد كان سليماني “يدير معركة بقاء الأسد من دمشق”، وللتأكيد على أهمية سوريا بالنسبة لإيران يقول سليماني في أحد خطاباته عام 2013 إن “سوريا هي خط الدفاع الأول للمقاومة، وهذه حقيقة لا تقبل الشك”.
قال تقرير نُشرته في ذات العام مجلة نيويوركر إن قاسم سليماني يدير معركة السيطرة على مدينة القصير في ريف حمص من مبنى محصن بشدة، مكونًا غرفة عمليات تضم قادةً من جيش الأسد وقوات “حزب الله” ومليشيات متعددة الجنسيات من العراق وأفغانستان.
تشير الصحيفة إلى أن سليماني نسق الهجمات ودرّب المليشيات المهاجمة كما أنه استطاع التنصت على اتصالات المعارضة. وتعاون سليماني في معركة القصير مع حسن نصر الله قائد المليشيا اللبنانية “حزب الله”، وذلك بغية أن يرسل الأخير آلاف المقاتلين، وبدأت المعركة بإطباق الحصار على المدينة السورية التي انتفضت في وجه الأسد وشكلت حالة ثورية، إلا أن سليماني وبخليط من المقاتلين استطاع السيطرة عليها ليكون نصره فيها نصرًا محوريًا لإطلاق يده في البلاد.
يذكر أن معركة السيطرة على مدينة القصير تمت بعد أن قتلت المليشيات مئات المدنيين ونكلت بالمدينة كما أنها دمرت جزءًا واسعًا منها بعد حصار خانق للمدينة، وبدأ الناس نتيجة لاشتداد الحصار بمغادرة القصير ليلًا والتسلل عبر البساتين للهروب من جحيم القصف على المدينة وقراها. وتذكر تقارير أن المليشيات الإيرانية واللبنانية إضافةً إلى جنود النظام قتلوا وقتها نحو ثلاثة آلاف إنسان من أهل المنطقة. وهو رقم يُعدّ الأعلى في سورية كلها قياساً إلى نسبة عدد السكان. إذ أن الصواريخ كانت تسقط بشدّة ونتيجة للقصف الهائل والمستمر تم تدمير أكثر من 90% من المدينة، وتهجير أهل القصير يعدّ من أكبر انتهاكات قاسم سليماني ومليشياته في سوريا، إذ أن مدنيي المدينة لم يعودوا إلى بيوتهم وبقي في المدينة بضع مئات من موالي النظام و”حزب الله”.
-
تدمير حلب وتهجير سكانها:
خرج قاسم سليماني مزهوًا بالسيطرة على مدينة حلب أواخر عام 2016، متجولًا على ركامها وفرحًا بانتصار بلاده وحليفها الأسد بدهم جوي روسي وميلشيات أفغانية عراقية لبنانية بالسيطرة على المدينة المهمة بكافة الأصعدة لكافة الأطراف، وتناقلت وسائل إعلام إيرانية صوراً مسربة لسليماني يتجول بين أحياء حلب المهدمة بفعل قصف قواته لها، قتل سليماني وحلفائه من أهالي حلب عشرات الآلاف كما نتج عن حربهم على المدينة أكبر عملية تهجير تحصل في سوريا.
خطر على بال أحد الصحفيين حينها أن يتذكر “شارون وهو يتجول على ركام بيروت وموشيه دايان الصهيوني الذي جال في القدس بعد السيطرة عليها”، وما بين عامي 2014 و2016، انخرط القائد الإيراني في معارك المدينة وكان يقود مقاتلي المليشيات التي استطاعت حصار المدينة الذي أنهكها مما أدى للسيطرة على المدينة وتهجير أهلها منها.
يتهم ناشطون وصحفيون سوريون سليماني بأنه المسؤول الأول عن الدمار الذي لحق بمدينة حلب ومرافقها وتهجير أهلها، ويذكر الناشط السوري عمر مدنية “من أفظع جرائم قاسم سليماني بعد قتل الصغير والكبير في سوريا هو تدميره المسجد الأموي في حلب والذي تجاوز عمره ١٣٠٠ سنة هجرية”.
-
تجويع سكان مضايا
منذ أن شاع نبأ مقتل قاسم سليماني بدأ ناشطون يتذكرون حصار المليشيات الإيرانية التابعة لقاسم سليماني و”حزب الله” لمدينة مضايا بريف دمشق، فقد أدت الحملة العسكرية على مدينة الزبداني عام 2015 للجوء معظم سكانها إلى بلدة مضايا المجاورة، وقامت قوات النظام حينها بمعية فيلق القدس بقصف مضايا بالبراميل المتفجرة، وفرض على المدينة حصاراً محكماً ع ووصلت الحال بالمحاصَرين إلى درجة أكل القطط والكلاب والحشائش وأوراق الأشجار لسد رمقهم.
جرائم فيلق القدس وسليماني في العراق:
كشفت وثيقة سرية للاستخبارات الإيرانية نشرها موقع The Intercept الاثنين 06/01/2020م، دور قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ودوره في ارتكاب جرائم إبادة أثناء الحرب عقب عام 2014 في العراق.
كما حذرت الوثيقة من اندلاع حرب طائفية في العراق؛ بسبب سياسة سليماني التي وصفتها بالشريرة.
وفي التفاصيل ، فنّد التقرير المطوّل كيف اكتسب سليماني على مر السنين سمعة كقائد عسكري مخيف يسيطر على شبكة من الميليشيات الإيديولوجية في عدة مناطق في الشرق الأوسط، بما فيها العراق.
ورسم صورة أكثر دقة لسليماني عبر أرشيف تم تسريبه من وكالة التجسس الإيرانية السرية وحصل الموقع على بعض وثائقه التي أعدت من قبل ضباط في وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية، كانوا متمركزين في العراق بين عامي 2013 و2015، عندما كانت هناك مشاركة إيرانية فعالة في العمليات العسكرية بالمناطق السنية العراقية، وكان سليماني يدير المواجهة.
إلى ذلك، كشفت تلك الوثائق كيف كان يُنظر إلى سليماني في بعض أركان مؤسسة الاستخبارات الإيرانية، على عكس الصورة التي أشيعت عنه كخبير استراتيجي لا يقهر.
فبينما كانت الحرب التي تقودها إيران في العراق محتدمة، أعرب الجواسيس الإيرانيون سراً عن قلقهم من التكتيكات الوحشية التي يفضلها سليماني ووكلائه العراقيون، والتي كانت تؤسس بحسب تقديرهم لرد فعل كبير ضد الوجود الإيراني في العراق.
وتضمنت بعض البرقيات التي أعدها رجال المخابرات الإيرانية تحركات سليماني ولقاءاته مع كبار المسؤولين في العراق، كما تطرق بعضها الآخر إلى أنشطة المليشيات الإجرامية التابعة له في العراق.
إلى ذلك، انتقد ضباط المخابرات في بعض الوثائق سليماني بسبب عزلته عن المجتمعات العربية السنية ومساعدته على خلق الظروف التي تبرر تجدد الوجود العسكري الأميركي في العراق.
وتأسفت وثيقة لوزارة الداخلية عام 2014، جزئياً لأن سليماني كقائد للعديد من الميليشيات الشيعية في العراق، وكيف كان له دور في مجزرة جرف الصخر ضد السكان السنة.
كما ناقشت الوثيقة مشاركة الجماعة سيئة السمعة في العراق ألا وهي ميليشيا العصائب، بحسب ما جاء في التقرير.
وتابعت “في الوقت الحالي كل ما يحدث للسنة في العراق، بشكل مباشر أو غير مباشر، يُنظر إليه على أنه تم من قبل إيران حتى عندما لا يكون لإيران أي علاقة بالأمر”.
وتعرض سكان المناطق المنكوبة خلال العمليات العسكرية التي حصلت في الأعوام التي تلت 2014، لجرائم طائفية مروعة على يد الميليشيات المدعومة إيرانيًا.
قمع الاحتجاجات الداخلية الإيرانية
داخل إيران، أصبح اسم سليماني أكثر شهرة في قمع الاحتجاجات السياسية أواخر الثمانينات، واستمر بعد ذلك.
في عام 2000. وبالتزامن مع أحداث الحرم الجامعي في طهران، بعث 24 قائدًا من كبار قادة الحرس الثوري الإيراني رسالة إلى الرئيس آنذاك محمد خاتمي مفادها أنهم سيتصرفون إذا لم يعمل الرئيس بجد أكبر لقمع الاحتجاجات. وكان سليماني أحد القادة الذين وقّعوا خطاب “التهديد”.
وأفادت تقارير مجموعة نشطاء حقوق الإنسان في إيران، أن نحو 7 أشخاص قُتلوا في هذه الموجة من الاحتجاجات.
بعد ذلك، قيل إن سليماني كان دائمًا أقرب قائد عسكري لخامنئي في تحديد استراتيجية القمع، وخاصة الاحتجاجات السياسية عام 2009. ثم الاحتجاجات على الوضع المعيشي في السنوات الثلاث الماضية.
تشير التقارير المتاحة إلى أن نحو 72 شخصًا قُتلوا خلال الاحتجاجات السياسية التي أعقبت الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل عام 2009. فيما صوت سليماني لصالح محمد باقر قاليباف، القائد السابق لقوات الشرطة، وفقًا لما ذكره إمام جمعة كرمان.
في تلك السنة، خلال خطاب رسمي، أكد قائد الحرس الثوري، محمد علي جعفري، أن الحرس الثوري الإيراني لعب دورًا في الانتخابات بهدف الحفاظ على “قيم الثورة الإسلامية”، وبعد نحو ثماني سنوات، قُتل ما لا يقل عن 50 متظاهرًا على أيدي قوات الأمن والحرس الثوري في احتجاجات عمت أنحاء البلاد في يناير (كانون الثاني) 2018.
بعد هذه الاحتجاجات، وصف سليماني، في خطاب عام، احتجاجات عام 2009 بأنها “فتنة” واحتجاجات 2018 بأنها “اضطرابات” وقال إنه “مرّغ أنف العدو فيها بالتراب”.
لكن مع موجة الاحتجاجات في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ومع اندلاع احتجاجات في دول أخرى في المنطقة، بما في ذلك العراق ولبنان، وتكثيف الضغوط الأميركية على الحرس الثوري، تكثفت استراتيجية القمع لهذه القوات داخل البلاد، حيث قُتل نحو 1500 شخص من المحتجين، وفقًا لما ذكرته “رويترز”.
كما أثارت هذه الاحتجاجات أيضًا رد فعل سليماني الصريح؛ حيث وصف سلوك عدد من الشباب الذين يحتجون على الوضع المعيشي بأنه ينم عن “حماقة”.
يُقدّر أنه في العقود الأخيرة من الاحتجاجات الداخلية في إيران، التي لعب سليماني بطريقة أو بأخرى دورًا في قمعها “علنيًا” أو من “خلف الكواليس”، لحماية النظام، قُتل نحو 1.700 مواطن إيراني.
جرائم فيلق القدس في اليمن
في اليمن حيث ترتكب مليشيات الحوثي الممولة والمدربة من قبل فيلق القدس والحرس الثوري الإيراني أبشع الجرائم ضد حقوق الإنسان يحضر قاسم سليماني كمهندس للحرب والدمار، فقد أكدت دراسة تقدير موقف لمركز ابعاد أن اسماعيل قاآني القيادي الجديد لفيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني يولي ذات الاهتمام باليمن الذي كان يوليه سابقه قاسم سليماني والذي قتل بضربة امريكية مطلع يناير الجاري في العراق.
وتشير الدراسة إلى أن الوحدة (190) في فيلق القدس التي مهمتها تهريب السلاح إلى الحوثيين كانت تحظى بإشراف مباشر من سليماني وقاآني.
الدراسة المعنونة بـ (نفوذ إيران في اليمن بعد سليماني.. الحوثيون بين الاحتواء والانتقام للجنرال) تصف مقتل سليماني، أنها “نقطة تحول كبيرة قد تنعكس على أمن الخليج واليمن”، متوقعة أن “إيران ستضاعف نفوذها في اليمن كتعزيز لخطوطها الأمامية”.
وكشفت دراسة مركز أبعاد أن آخر عمليات سليماني في اليمن كانت ” الإشراف على تسليم الحوثيين منظومة دفاع جوي”، وأن الحوثيين يسعون “للعودة إلى باب المندب استعدادا لأي مواجهة محتملة بين إيران وأمريكا”.
وتطرقت إلى توجهات سليماني حول استراتيجية إيران في أي حرب في المنطقة بالقول ” لطالما يشير قاسم سليماني عند الحديث عن مواجهة الولايات المتحدة إلى مضيق باب المندب والبحر الأحمر ومنشآت النفط في الخليج، ويعتقد سليماني أن اليمن هي الحرب الحقيقية التي تخوضها إيران دون تكاليف باهظة”.
وقالت دراسة أبعاد ” مشروع إيران في اليمن يعيش مرحلة استنزاف وتخبط مع تمكن السعودية من إقناع قيادات داخل جماعة الحوثي بإعادة النظر في التحالف مع إيران”، مستدركة أن “نفوذ إيران باقي ويتمدد مع بقاء جماعة الحوثي مسيطرة “.
وأشارت إلى أن انعكاسات مقتل سليماني على تحركات الحوثي خلال الفترة القادمة يحكمها مدى تحقق أيا من السيناريوهات التي تتأرجح بين تخفيف التصعيد والمواجهة بين إيران وأمريكا في المنطقة.
اترك رد